في إطار اهتمام مجموعة رواد بمتابعة الشأن الاقتصادي ودعم الحوارات الاستراتيجية، شاركت المجموعة في الحلقة النقاشية التي نظّمها مركز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية في جامعة دمشق بعنوان:
“ملامح الاقتصاد السوري وآفاقه المستقبلية“
وقد قدّم النقاش الأستاذ الدكتور تيسير الرداوي، أستاذ الاقتصاد ورئيس هيئة تخطيط الدولة سابقًا، مستعرضًا رؤيته حول مستقبل الاقتصاد السوري وأهمية التوازن بين حرية السوق ودور الدولة في التوجيه والتنظيم وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وعلى هامش المشاركة، أعدّت مجموعة رواد مقالًا خاصًا يلخص أبرز محاور رؤية الدكتور الرداوي الاقتصادية لسوريا المستقبل.
المقال كاملا :
ملامح الاقتصاد السوري وآفاقه المستقبلية
قراءة في رؤية أ.د.تيسير الرداوي – أستاذ الاقتصاد ورئيس هيئة تخطيط الدولة سابقاً.
أولاً: مهام الدولة في إدارة الاقتصاد السوري
يقوم اقتصاد السوق، الذي يتحدث عنه الدكتور الرداوي، على التوازن بين حرية السوق ودور الدولة في توجيه وتنظيم والإشراف على السوق، بحيث يجمع بين مبادئ الاقتصاد الحر والمسؤولية الاجتماعية.
وفي هذا السياق، طرح الدكتور تيسير الرداوي أربع نقاط أساسية لرؤية الاقتصاد السوري التنافسي، ضمن إطار دور الدولة، مؤكدًا أهمية تحقيق التوازن بين تدخل الدولة غير المباشر وضمان حرية النشاط الاقتصادي:
- الإشراف على السوق لا السيطرة عليه
دور الدولة يجب أن يقتصر على الإشراف لضمان النزاهة والشفافية وعمل آلية السوق، مع الابتعاد عن التدخل المباشر في الإنتاج أو الاستهلاك، لضمان حيوية القطاع الخاص وحماية التنافسية. - نظام ضريبي عادل يعتمد على ضرائب الدخل المباشر
توفير حاجات الدولة من الموارد يتطلب نظامًا ضريبيًا عادلًا، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الضريبية من خلال فرض نوعين من الضرائب: ضرائب مباشرة على الدخل والأرباح، وهي الأساس، وضرائب غير مباشرة يدفعها باقي الناس، بما يضمن توزيعًا أكثر إنصافًا للثروات، ويسهم في تمويل الخدمات العامة بشكل مستدام. - التنمية تتوقف على المشاريع الكبرى
من مسؤولية الدولة القيام بعملية التنمية، كما هو الحال في سوريا، من خلال الاستثمار في المشاريع الاستراتيجية الكبيرة التي تحتاج إلى تدخل مباشر، لكونها تتجاوز قدرة القطاع الخاص، وخاصة في البنية التحتية والقطاعات الحيوية مثل السدود، ومشاريع المياه الأخرى كمشروع نقل مياه نهر دجلة إلى نهر الخابور، وكذلك مصافي النفط، والسكك الحديدية، والطاقة، والموانئ. - العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر
من مهام الدولة كذلك محاربة الفقر، وتوفير فرص العمل، وضمان التعليم، والصحة، والسكن، كجزء من مسؤوليات الدولة، لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الاستقرار.
ثانيًا: أهمية وجود إطار دستوري واضح
لا يمكن بناء اقتصاد مستقر بدون وجود دستور دقيق يحفظ الحقوق، خاصة حماية الملكية الخاصة بشكل عام، لضمان بيئة تشجع الابتكار والاستثمار وتمنع الاستغلال.
ثالثًا: قراءة تاريخية للتحولات الاقتصادية السورية
- التغيرات الحالية تفوق سقوط الدولة العثمانية
كان من الضروري أن تكون التغيرات الحالية في الاقتصاد تتوافق مع التغيرات السياسية الكبرى التي حدثت في البلاد، وفي رأي الدكتور الرداوي، فإن ما حدث في سوريا اليوم من تغيرات يجب أن يفوق ما حدث عقب سقوط الدولة العثمانية؛ حيث كانت هناك طموحات لتغيرات ضخمة، وجرت محاولات لبناء اقتصاد عربي قوي في كافة بلاد الشام، يتناسب مع هذه التغيرات، لكن الاستعمار حال دون ذلك. - النظام السابق وتكريس الاستبداد الاقتصادي
النظام البائد رسّخ سياسات الاستبداد والهيمنة على الاقتصاد، مثلما رسخها كذلك على المجتمع والسياسة، بل إنه هيمن كذلك على السوق والاقتصاد أيضًا، ما ساهم في تقييد المبادرات الفردية وتدمير التنافسية. - وفي النظرية الاقتصادية التي ترفض التدخل المباشر في الاقتصاد، تدعو إلى سياسات اقتصادية لتدخل الدولة، أي أنها سياسات تدخل غير مباشر تقوم بها نخب اجتماعية أخلاقية نزيهة.
رابعًا: الطريق نحو اقتصاد سوري حديث ومتوازن
- سوريا تحتاج إلى تجربة اقتصادية خاصة
يجب أن تأخذ سوريا من عدة أنظمة عالمية ناجحة، مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وفيتنام بعد التخلص من الهيمنة الأمريكية، وجنوب أفريقيا بعد انتهاء حكم الفصل العنصري، وتجربة رواندا بعد الحرب الأهلية، بدون تكرار أي تجربة جاهزة.
الاقتصاد السوري أقرب إلى كونه “تجربة” مستمرة، وليس نظامًا واضح المعالم، وهو بحاجة إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، حيث الدولة لا تدير السوق، بل تحميه، وتدعم البحث العلمي، والتكنولوجيا، وتعمل لتحقيق العدالة الاجتماعية.
- غياب النظام الاقتصادي الواضح هو أصل المشكلة
استمرار الأزمة الاقتصادية السورية مرهون بغياب نظام اقتصادي شفاف، فكما تحكم قوانين الفيزياء حركة الأشياء، يجب أن تحكم القوانين الاقتصادية تجربة السوق التنافسي السوري، مع الشفافية والحوكمة، مما يغني عن تدخل الدولة في ضبط الطلب والعرض والاستهلاك.
خامسًا: الخلاصة
دولة قوية باقتصادها لا تعني دولة تتحكم في السوق، بل دولة توفر بيئة شفافة وآمنة، تحقق التنمية من خلال الاستثمار في المشاريع الكبرى، وتدعم الطبقات الضعيفة في المجتمع، وتحمي الحقوق، وتعمل على ضمان العدالة الاجتماعية، ضمن دستور واضح يكرس الحريات، ويحمي الإبداع، والملكية الخاصة بشكل عام.